الملف الصومالي الكيني
عند الحديث عن القرن الافريقي لا يكتفي المرء بسرد تاريخ تلك المنطقة حتى يدرك ما ألت إليه الأمور اليوم ولكن لابد للمرء أن يصل إلى دائرة الحقائق المخفية عن الجميع إلا على شعوب تلك المنطقة التي لا تكتفي بإعلان سوء الفهم المحلي والاقليمي لها بل تجاهر بإنه من الصعب إنسانياً على اي سوء فهم أن يجد من يتداركه وإلا لإستطاعت البشرية أن تتجنب كوارث متصلة بتاريخها ، فهكذا تقول الاسطورة .
يبدو الملف الصومالي الكيني أكثر تعقيداً مما يبدو خاصة للقارىء الخليجي الذي ما زال يكتفي بما يحدث في القرن الإفريقي بما هو منشور في الصحف المحلية أو الأجنبية أو الإطلاع على تقارير ومراجع لا تعبر قطعاً عن مصالح ورؤية شعوب القرن الإفريقي بمقدار ما تعبر عن مصالح ورؤية دول أصحاب تلك المراجع والتقارير إذا إفترضنا أنهم من كتبها بدون صياغة موجهة، إنعكس للأسف أثر تلك التقارير الموجهة على رؤية صانع القرار السياسي الخليجي تجاة منطقة القرن الافريقي وهنا تكمن العقبة الكبرى التي تمثلت بسوء فهم عرقل ملفات كثيرة كان يمكن أن تكون نقطة إنطلاق لشراكة إستراتيجية حقيقية بين دول مجلس التعاون الخليجي ومنطقة القرن الإفريقي.
تدرك نيروبي أن إستقرارها الأمني لن يتحقق إلا عبر مقديشو والعكس صحيح، لذلك بدأت نيروبي منذ سنوات ماضية الحديث عن إعتزامها بناء جدار عازل بينها وبين الصومال وهذا تعبير من خشية إنتقال حالة عدم الإستقرار السياسي والأمني الصومالي إليها والذي سينعكس بشكل أو بأخر على أراضيها، فنيروبي ترى أن إقليم إنفدي الصومالي الذي تحتله لن يضره بناء الجدار العازل المُزمع بناءه، فسكان “انفدي” معظمهم صوماليين راغبين بالعودة إلى البلد الأم ” الصومال”، فهم لا يختلفون عن الصوماليون في الصومال الأم أوعن الصوماليون في إقليم أوجادين الذي تحتله أثيوبيا، أضف إلى ذلك أن الصوماليون تربطهم جميعاً رابطة الإسلام (شافعيون) ، وحتى الإختلافات في اللهجة لا تتفق مع الحدود المُصطنعة المفروضة عليهم سواء من نيروبي أو أديس أبابا، وهذا ما تدركه التنظيمات الإرهابيه مثل حركة الشباب المُجاهدين، وهو بالذات ما تستخدمه تلك التنظيمات في إستقطاب الشباب الصومالي وتجنيده في تلك الميلشيات المُسلحه والتي إزداد نشاطها في منطقة القرن الأفريقي بعد الإعلان عن تأسيس جبهة شرق أفريقيا التابعة لتنظيم الدولة داعش، وبالتالي لا أعتقد أن نيروبي ستكون في مأمن من هجمات إرهابيه مُستقبليه ستشهدها أراضيها لا محالة بعد بناء الجدار المُراد بناءه هذا من جانب، ومن جانب أخر لا أتصور أن دعم نيروبي لإقليم جوبلاند وأحمد مادوبي أو كما يسمى في شرق أفريقيا ( رجل كينيا في الصومال ) سيتوقف حتى بعد بناء الجدار العازل.
شهدت كينيا عمليات إرهابية بدءاً بتفجير السفارة الأمريكية 1998، مروراً بوستغيت 2013، إلى غاريسا 2015 ، إلى دوسيت دي 2019، فكينيا ترتبط رغماً عنها بما حدث ويحدث وسيحدث في الصومال على وجه الخصوص، ويرجع السبب في ذلك إلى عام 1963عندما ألحق الإستعمار إقليم إنفدي الصومالي إلى كينيا، ومن ذلك الوقت إلى اليوم تكاد تكون نيروبي أكثر عواصم الشرق الأفريقي إرتباكاً وهذا ما أدى إلى تضخم ملفاتها الداخلية، وحاولت نيروبي وتحت مسمى حماية أمنها القومي بالدخول إلى الأراضي الصومالية بموافقة أممية وضمن قوات بعثة الإتحاد الأفريقي في الصومال والتي تدعمها الأمم المتحدة «الأميصوم» للقضاء على حركة الشباب، فكينيا ترى أن إقامة منطقة عازلة داخل الأراضي الصومالية المُتاخمة للحدود الكينية سيساعد نيروبي في الاستفادة من خيرات الإقليم وصرفها لمصالحها الاقتصادية، ومن ناحية أخرى السيطرة الكاملة على ميناء كيسمايو الذي يُعتبر قاعدة لتموين حركة الشباب ومركزاً للإتصالات والمراقبة البحرية، فضلاً عن فتح ممر بحري أمن لعمليات تستهدف الحركة ووجودها، فميناء كيسمايو يشكّل شريان الحياة لحركة الشباب، ويوفر لكينيا حلقة اتصال خارج الصومال، وهذا هو الهدف الإستراتيجي المباشر للتدخل العسكري الكيني من خلال بعثة الإتحاد الأفريقي «الأميصوم»، ولكن لماذا لم تنجح نيروبي في القضاء على حركة الشباب التي تمثل التهديد الأكبر لأمنها القومي؟)
ترى النخبة الكينية أن حركة الشباب تتفوق على الأميصوم إستخباراتياً بسبب إرتباطها بالسكان الخاضعين لسيطرتها، وإنغماسها في الثقافة واللغة المحلية، ومعرفتها بالتضاريس الجغرافية الدقيقة للمنطقة ما أعطاها مرونة الحركة والقدرة على التنبؤ والتخطيط.
أنا شخصياً أتفق مع النخبة الكينية في رأيها السابق إذا إفترضنا أن «الأميصوم» تعمل بمعزل عن التنسيق الأمني والإستخباراتي والعسكري للقوى الدولية، وأضيف عليه أن القوى الدولية ترغب في أن تحتفظ حركة الشباب وأذرعها بنصف قوة حتى تستخدمهم كورقة تبرير وضغط مُستقبلاً، وبالتالي لن تسمح بحل تفاوضي مع حركة الشباب، ذلك الحل الذي كانت تروج له بعض المنصات الإعلامية العالمية بقولها: «على نيروبي التقليل من أمالها في إلحاق هزيمة حركة الشباب وعليها أن تعمل على إضعاف القدرة العسكرية للشباب والسعي لحل تفاوضي»، ويبقى السؤال هنا: ماذا لو كانت الأذرع الأمنية والإستخباراتية للقوى الدولية تعمل مع الأميصوم بشكل حقيقي هل ستحتاج حركة الشباب لكل هذا الوقت لقطع دابرها وإبعادها عن المشهد وتفريق صفوفها؟
أعتقد أن نيروبي مُقبلة في الوقت القادم على تطورات هامة فمن المرجح أن يتعزز التعاون العسكري والإستخباراتي بين نيروبي وأنقرة وسيدعم ذلك التعاون الإتفاقية الأمنية التي وقعت بين الجانبين منذ عام 2016، ولا أعتقد أن هذا التعاون الأمني سيكون بمعزل عن أفريكوم (القيادة العسكرية الأمريكية في أفريقيا) التي تراقب بحذر ما يجري، وستشهد الحدود الكينية الصومالية إما تعاوناً يذكرنا بعملية ليندا نشي، وهي عملية صومالية كينية مشتركة وتعني باللغة العربية حماية البلد، أو توتراً خاصة في المناطق الحدودية كالتوتر الحاصل الأن على الحدود البحرية وحقول النفط مما سيعيد إلى الأذهان عام 2012 عندما تدخلت محكمة العدل الدولية لحل الخلاف الحدودي، وقد يؤدي ذلك إلى إستعادة بعض التنظيمات لنشاطها مثل جبهة شرق أفريقيا ما سيشكل إرباكاً للمشهد الكيني الصومالي على حد سواء، وستستخدم نيروبي ما حدث لها من هجمات إرهابية فرصة لإقناع الشارع الكيني بضرورة الإسراع في بناء الجدار الكيني العازل بينها وبين الصومال مهما كانت تكلفته، خاصة أنها واجهت الكثير من الإنتقادات حول بناء هذا الجدار بسبب عدم وجود خطة ميزانية واضحة لهذا المشروع ومن الجدير بالذكر ان شركة ماغال الإسرائيلية أحد أهم شركات الأمن الفيزيائي والسيبراني وتطوير المنظومات الأمنية هي من وقع عليها الإختيار لبناء الجدار الكيني وهي ذات الشركة التي إختارها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لبناء الجدار العازل بين الولايات المتحدة والمكسيك
من المرجح أن تدعم أديس أبابا وجيبوتي المشروع الكيني المزمع بناءه على الحدود الصومالية، خاصة أن هناك مصلحة مُشتركة تربط دول الجوار الصومالي قد لا تكون في مصلحة مقديشو، وستشهد العلاقات الكينية الأثيوبية في الوقت القادم تطوراً إيجابياً من خلال حرص أثيوبيا على إقناع نيروبي للوصول إلى حل يمنع تطور نشاط المُعارضة الكينية مما يؤثر على الوضع السياسي للبلاد، رغم يقين أديس أبابا بأنه لن يصل إلى رئاسة كينيا من يحقق حلم الصوماليون في إسترجاع إقليم إنفدي وهذا ما يُطمئن الساسه في أثيوبيا، وبالتالي حرص أديس أبابا على التعاون مع كينيا منعاً لتفاقم الأوضاع في نيروبي يأتي من باب حرصها على إكتمال ملف سد النهضة بهدوء وبعيداً عن التوترات سواء في الداخل الأثيوبي أو في جوارها الإقليمي الذي يترقب إكتمال سد النهضة المُرتبط بتنميتها ونهضتها بفارغ الصبر، وما بين ذلك وذاك تجد نيروبي نفسها اليوم في سباق مع الزمن، خاصة أنها صُنفت من أهم العواصم الأفريقية الجاذبة للعمل بسبب التكنولوجيا المتطورة التي تفوقت بها على عموم شرق أفريقيا وتنافس بها جمهورية جنوب أفريقيا، ومن جانب آخر تستعد كينيا لتكون المحطة الرئيسية في شبكة سكة حديدية طولها 5000 كيلومتر تعتزم إثيوبيا افتتاحها هذا العام 2020 وستربطها بكينيا والسودان وجنوب السودان، وأمام تلك التطورات الإيجابية تجد نيروبي نفسها مُنقسمة بين الإلتفات لإنجاز المهام والوقوف أمام التحديات، وبين القضاء على التنظيمات الإرهابية التي تؤرق الوطن والمواطن وتعرقل التنمية.
كينيا دولة بلا شك لها أهميتها في الإستراتيجية الدولية ولابد من إلقاء الضوء على وجهة النظر الأمريكية حول كينيا، وأنا أتحدث عن نيروبي في المؤتمرات التي دعيت إليها غالباً ما أبدأ حديثي بمقولة للكاتب الصحفي الراحل محمد حسنين هيكل التي تقول: “الدول العظمى لا تغير إستراتيجياتها بسهولة لأن هذه الإستراتيجيات لم يوجدها الإلهام أو النزوة ولا تتقرر بقيام حكم أو سقوطة ولا يؤثر فيها أن يذهب رئيس ويأتي أخر، فالإستراتيجيات تعلم دارسيها أن الأهداف يمكن الإقتراب منها بطريق مباشر أوغير مباشر مع بقاء الهدف في الحالتين ظاهراً أمام عيون طالبية حتى وإن أخذتهم التضاريس إلى الطرق الدائرية”.
أدركت واشنطن أهمية كينيا في الإستراتيجبة الأمريكية منذ إستقلالها 1963 وترجمت ذلك بدءاً بتعزيز العلاقات الدبلوماسية إلى التعاون العسكري والذي تمثل بإختيار نيروبي مركزاً لإدارة العمليات الأمنية إلى الشراكة الإستخباراتية، أما حديثاً فأعلنت واشنطن قبل سنوات قليلة عن مبادرة الطاقة لأفريقيا التي تهدف إلى إضافة أكثر من 10 آلاف ميغاواط من قدرة توليد الكهرباء النظيفة وشملت تلك المبادرة أكبر مشاريع توليد طاقة الرياح في أفريقيا والذي أطلق عليه إسم أبولوس كينيا ) والذي أفتتح مؤخراً، وهذا ما يفسر موافقة الكونغرس الأمريكي على تمديد قانون النمو والفرص في أفريقيا “أغوا” مما يعزز الشراكة الإقتصادية الأفريقية الأمريكية حتى عام 2025، وهذا أيضاً ما يوفر الضمانات اللازمة للإستثمارات الأمريكية طويلة الأجل، ومن الجدير بالذكر أنه منذ يناير 2019 أصبحت هناك العديد من دول إفريقيا جنوب الصحراء مؤهلة للحصول على مزايا قانون أغوا وعلى رأسهم كينيا التي تعتبر أكثر دول شرق إفريقيا تطوراً من الناحية التكنولوجية مما جعلها ملاذاً لجيل الشباب في إفريقيا، وأمام تلك التطورات إزداد طموح نيروبي إلى تطوير بنيتها التحتية التي تشكل جزءًا من برنامج تطوير رؤية 2030 في كينيا والذي يبدو أنه جاء متوافقاً مع تطورها التكنولوجي المتسارع فوجدت نيروبي في منتدى الأعمال الأفريقي الأمريكي الذي أقيم في نيويورك عام 2016 ضالتها بعد أن أعلن المنتدى عن تسعة مليار دولار لدعم التجارة في إفريقيا فجاء حضور شركة باكتل الأمريكية مناسباً لحاجة كينيا المُلحة خاصة أن باكتل لها خبرة أكثر من سبعون عاماً في بناء وإدارة مشاريع البنية التحتية في أفريقيا، فتوجهت شركة باكتل إحدى أهم الشركات العالمية في مجال الهندسة والبناء لتشييد أحد أهم الهياكل الأساسية الجديدة في شرق إفريقيا وهو طريق سريع سيربط بين العاصمة نيروبي وميناء مومباسا البحري، وتم تمويل المشروع من وكالات إئتمان الصادرات الأمريكية مثل بنك التصدير والإستيراد الأمريكي ومؤسسة الإستثمار الخاص لما وراء البحار وهي مؤسسة تمويل التنمية التابعة للحكومة الأمريكية وتقوم بحشد رأس المال الخاص للمساعدة في حل تحديات التنمية الحرجة، ويُذكر أن نيروبي إستعانت في هذا المشروع قبل البدء به بخبرة “بي دبليو سي” إحدى أهم شبكة الخدمات المهنية متعددة الجنسيات التي قامت بدراسة جدوى تجارية وتقنية لطريق نيروبي مومباسا السريع، ومن الجدير بالذكر أن شبكة الخدمات المذكورة أنفاً هي ذاتها التي تنبأت في عام 2017 بأن سوق الطائرات بدون طيار في العالم سيصل إلى 127 مليار دولار بحلول عام 2020 وهي ذات الجهة التي صاغت رمز “إي سفن” لوصف الإقتصاديات الناشئة التي يتوقع بروز دورها بحلول عام 2050.
المأزق الذي واجه باكتل هو رفض نيروبي لنموذج التنفيذ الذي قدمتة وإصرار كينيا على نموذج أخر، ولتوضيح نقطة الخلاف بين الجانبين فإن باكتل تؤكد أن الشراكة البديلة بين القطاعين العام والخاص الذي تتبناه كينيا سيكلف خمسة أضعاف مبلغ خمسة عشرة مليار دولار وسيستغرق وقتاً أطول وفي الوقت الذي تريد نيروبي من باكتل الحصول على تمويل أولي والحصول على المطالب مرة أخرى من خلال فرض الرسوم بعد فتح الطريق ترى باكتل أن ذلك سيُكلف دافعي الضرائب في كينيا خمسة مليارات دولارعلى مدى عقدين ونصف، وحذرت باكتل نيروبي إذا إختارت الطريق الأخر فإنها ستجد نفسها في منطقة التدفق النقدي السلبي وسيترتب على ذلك عبء دفع خمسة مليار دولار سنوياً على مدى خمسة وعشرون عاماً.
تدرك النخب الكينية أن هذا المشروع المدعوم أمريكياً جاء منافساً للصين التي نفذت أهم مشاريع البنية التحتية في كينيا بل وتشير الجلسات العلمية الخاصة بالعلاقات الدولية أن طريق نيروبي مومباسا السريع هو في الأساس كان لشركة صينية تقوم بمشاريع الهندسة المدنية العالمية إلا أن بكين تسببت مؤخراً في إثارة جدلاً سياسياً في نيروبي بسبب إحتكار الصين للمناصب العليا في سكك الحديد الكينية لصالح الموظفين الصينين مما أعطى واشنطن فرصة لإقتناص الهدف الذي سيحقق الإيرادات والوظائف وفرص النمو في الداخل والخارج خاصة أن الشارع الكيني يرى أن مردود هذا المشروع سيكون ضعف ما أنفق عليه.
ما يؤرق الملف الصومالي الكيني في الوقت الراهن ويعد بتعقيده على المدى الطويل هو الخلاف حول الحدود البحريه وما تحتويه من ثروة نفطيه والذي سيحل بطريقه أو بأخرى في محكمة العدل الدوليه ولكن يبقى السؤال هنا متى سيحل؟ وما هي الكيفية التي سيحل بها ؟
لعل إعلان واشنطن مؤخراً (3-10-2019) عن إعادة فتح سفارتها في مقديشو بعد ثلاثة عقود من إقفالها يجيب عن تساؤلنا السابق، فإفتتاح السفارة الأمريكية في مقديشو أبوابها ما هو إلا إيذاناً ببدء ضبط التوازنات الإقليمية والدولية، فما يحدث اليوم في القرن الإفريقي لا يتطلب أن تمارس واشنطن دورها القديم عند بعض الأطراف ويكفيها أن تجديد أدواتها للتحكم عن بعد خاصة أن هناك أطراف لابد من مواجهتها لتحجيمها مثل (الصين).
واشنطن برأيي لم تغادر الصومال حتى تعود إليها وإفتتاح سفارتها مؤخراً في مقديشو بعد عقود من إقفالها ما هو إلا تسريع لخطوات عملية قادمة في إدارة ملف الحدود البحرية الكينية الصومالية من ناحية وإحكام سيطرتها على السودان الجديد وتحديد خط اللاعبين بما يتناسب ورؤيتها الإستراتيجية، فواشنطن تُدرك أن الحدود البحرية وما تضمه من حقول بترولية متنازع عليها بين نيروبي ومقديشو هي حق أصيل للصومال والمحكمة الدولية ستحكم لصالح مقديشو ولكن يغريها إستفزاز ومماطلة نيروبي لمقديشو في هذا الملف لأنه يعطيها المبادرة ولا أقول الحق بالتدخل من باب حل الخلاف، ومن الجانب الأخر تثق نيروبي من وقوف واشنطن بصفها ولكن لا يعني ذلك أن واشنطن ستبخص مقديشو حقها ولكن من المرجح أن تدخل واشنطن مع كلا الطرفان (الصومالي، الكيني) في صفقة متساويه، فقد يأخذ الصومال جزءاً من حقه في مقابل حلحلة بعض الملفات ودعم حكومة الرئيس محمد فرماجو وتمكينه داخلياً خاصة أن واشنطن تطمع برضا صومالي شعبي عنها على الأقل على المدى المتوسط وإلا ستتوقف كثيراً من النقاط المُعززه والداعمه للمُصالحه الأرتريه الأثيوبية التي تم الإتفاق عليها مع الجانب الصومالي وبالتالي ستوفر واشنطن على نفسها الكثير من الخسائر التي قد تفوق خسائرها في تسعينيات القرن الماضي التي تكبدتها في الصومال والتي يتجنب الإعلام الأمريكي ذكرها ناهيك عن إحتمالية إعادة إنتاجها، فواشنطن لا ترغب اليوم بإحتقان رأس القرن الإفريقي (الصومال) فهو بوابتها للنفط الإفريقي المتفوق بمميزاته على النفط الخليجي، ولا تريد خسارة ملف المصالحة الأرترية الأثيوبية الذي خططت له بهدوء ونجح وبات يؤتي أكله إنتهاءاً بتشكيل السودان الجديد الذي بات قاب قوسين أو أدني من التطبيع إن أراد الوقوف.
أما على مستوى دول الخليج العربي فأرى أن الخلاف الكيني الصومالي الذي يرتفع وينخفض مؤخراً ستطاله سياسة المحاور الخليجية المتنازعه وسيزداد تشنجاً على المدى القصير والمتوسط وستغذيه في ذلك الأحزاب السياسيه وممثلوها الذين وجدوا في المال الخليجي متنفساً وملاذاً، وستنقسم دول الخليج ما بين نيروبي ومقديشو تأييداً وخلافاً، فلجوء الصومال لمحكمة العدل الدولية حول الحدود البحرية المتنازع عليها مع كينيا بالتأكيد سيأتي لصالحها ولكن هذا لا يعني توقف القلاقل والمناوشات المتتالية التي يتم الإشارة إليها دائماً بأنها مدعومة بالمال الخليجي في تلك المنطقة الحدودية وما جوارها، وذلك السيناريو متوقف على ما تريد واشنطن تحقيقه في المرحله الأولى من عودتها الرسمية للصومال.
تم نشر المقال بتاريخ 27 ابريل 2020
.أمينة العريمي
باحثة إماراتية في الشأن الأفريقي